سورة التغابن - تفسير تفسير البغوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (التغابن)


        


قال عطاء هي مكية إلا ثلاث آيات من قوله: {يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم} إلى آخرهن. {يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}، قال ابن عباس: إن الله خلق بني آدم مؤمنًا وكافرًا، ثم يعيدهم يوم القيامة كما خلقهم مؤمنًا وكافرًا.
وروينا عن ابن عباس عن أبي بن كعب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الغلام الذي قتله الخضر عليه السلام طبع كافرًا» وقال جل ذكره {ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا} [نوح- 27].
أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي، أخبرنا محمد بن يوسف، حدثنا محمد بن إسماعيل، حدثنا سليمان بن حرب، حدثنا حماد، عن عبيد الله بن أبي بكر بن أنس عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «وكل الله بالرحم مَلَكًا فيقول: أَيْ ربِّ نطفة أيْ ربِّ علقة، أيْ ربِّ مضغة، فإذا أراد الله أن يقضي خلقها قال: يا رب أذكَر أم أنثى أشقي أم سعيد؟ فما الرزق فما الأجل؟ فيكتب كذلك في بطن أمه».
وقال جماعة: معنى الآية: إن الله خلق الخلق ثم كفروا وآمنوا لأن الله تعالى ذكر الخلق ثم وصفهم بفعلهم، فقال: {فمنكم كافر ومنكم مؤمن} كما قال الله تعالى: {والله خلق كل دابة من ماء فمنهم من يمشي} [النور- 45] والله خلقهم والمشُي فِعْلُهم. ثم اختلفوا في تأويلها: روي عن أبي سعيد الخدري أنه قال: {فمنكم كافر} في حياته مؤمن في العاقبة {ومنكم مؤمن} في حياته كافر في العاقبة.
وقال عطاء بن أبي رباح: فمنكم كافر بالله مؤمن بالكواكب، ومنكم مؤمن بالله كافر بالكواكب.
وقيل فمنكم كافر بأن الله تعالى خلقه، وهو مذهب الدهرية، ومنكم مؤمن بأن الله خلقه.
وجملة القول فيه: أن الله خلق الكافر وكفره فعل له وكسب وخلق المؤمن وإيمانه فعل له وكسب فلكل واحد من الفريقين كسب واختيار وكسبه واختياره بتقدير الله ومشيئته فالمؤمن بعد خلق الله إياه يختار الإيمان لأن الله تعالى أراد ذلك منه وقدَّره عليه وعلمه منه، والكافر بعد خلق الله تعالى إياه يختار الكفر لأن الله تعالى أراد ذلك منه وقدَّره عليه وعلمه منه. وهذا طريق أهل السنة والجماعة من سلكه أصاب الحق وسلم من الجبر والقدر.


{يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ} يخاطب كفار مكة {نَبَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ} يعني: الأمم الخالية {فَذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ} يعني ما لحقهم من العذاب في الدنيا {وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} في الآخرة. {ذَلِكَ} العذاب {بِأَنَّهُ كَانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالُوا أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا} ولم يقل: يهدينا لأن البشر وإن كان لفظه واحدًا فإنه في معنى الجمع، وهو اسم الجنس لا واحد له من لفظه وواحده إنسان، ومعناها: ينكرون ويقولون آدمي مثلنا يهدينا! {فَكَفَرُوا وَتَوَلَّوْا وَاسْتَغْنَى اللَّهُ} عن إيمانهم {وَاللَّهُ غَنِيٌّ} عن خلقه {حَمِيدٌ} في أفعاله. ثم أخبر عن إنكارهم البعث فقال جل ذكره: {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ} {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ} يا محمد {بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنزلْنَا} وهو القرآن {وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} {يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ} يعني يوم القيامة يجمع فيه أهل السماوات والأرض {ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ} وهو تفاعل من الغبن وهو فوت الحظ، والمراد بالمغبون من غُبِن عن أهله ومنازله في الجنة، فيظهر يومئذ غبن كل كافر بتركه الإيمان، وغبن كل مؤمن بتقصيره في الإحسان {وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ} قرأ أهل المدينة والشام: {نكفر} {وندخله} وفي سورة الطلاق {ندخله} بالنون فيهن، وقرأ الآخرون بالياء {خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}.


{وَاَّلذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا أُوْلَئِكَ أَصحَابُ النَّارِ خَالِدِينَ فِيهَا وَبِئسَ المَصِيرُ مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ} بإرادته وقضائه {وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ} فيصدق أنه لا يصيبه مصيبة إلا بإذن الله {يَهْدِ قَلْبَهُ} يوفقه لليقين حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه فيسلم لقضائه {وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}.
{وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّيتُم فَإِنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا البَلاغُ المُبِينُ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ وَعَلَى اللَّه فَليَتَوَكَّلِ المُؤمِنُونَ}. قوله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ} قال ابن عباس: هؤلاء رجال من أهل مكة أسلموا وأرادوا أن يهاجروا إلى المدينة، فمنعهم أزواجهم وأولادهم، وقالوا: صبرنا على إسلامكم فلا نصبر على فراقكم فأطاعوهم وتركوا الهجرة فقال تعالى: {فَاحْذَرُوهُمْ} أن تطيعوهم وتدعوا الهجرة. {وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} هذا فيمن أقام على الأهل والولد ولم يهاجر، فإذا هاجر رأى الذين سبقوه بالهجرة قد فقهوا في الدين همَّ أن يعاقب زوجه وولده الذين ثبطوا عن الهجرة، وإن لحقوا به في دار الهجرة لم ينفق عليهم ولم يصبهم بخير، فأمرهم الله تعالى بالعفو عنهم والصفح.
وقال عطاء بن يسار: نزلت في عوف بن مالك الأشجعي: كان ذا أهل وولد، وكان إذا أراد الغزو بكوا إليه ورققوه، وقالوا: إلى من تدعنا؟ فيرق لهم ويقيم فأنزل الله: {إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم} بحملهم إياكم على ترك الطاعة، فاحذروهم أن تقبلوا منهم.
{وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا} فلا تعاقبوهم على خلافهم إياكم فالله غفور رحيم.

1 | 2